إتباع الصراط المستقيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد :

أيها الناس اتقوا الله ، وتدبروا كتاب الله لأن التدبر هو المقصود من تلاوة القرآن وتعلمه وتعليمه ثم العمل بما أنزله الله تبارك وتعالى ، فهو الصراط المستقيم الذى من سار عليه نجا فى الدنيا والاخرة ، لهذا فرض الله علينا أن نقرأ فى كل ركعة من صلاتنا سورة الفاتحة التى هى أعظم سورة فى القرآن ، وهى فاتحة المصحف وهى أول سورة فيه هذه السورة العظيمة وهى السبع المثانى والقرآن العظيم الذى أوتيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنها تكرر فى كل ركعة وهى الشافية الكافية ، لأنها شفاء للأمراض البدنية الحسية وذلك بالرقية بها للمريض والملدوغ وهى شفاء للأمراض المعنوية التى تصيب القلوب فهى تزيل الشكوك والأوهام وتأخذ بيد من التزم بها الى جادة الصواب فتجنبه الضلال ، وهى دعاء من أولها لآخرها ، دعاء عبادة فى أولها وذلك بالثناء على الله بأسمائه وصفاته وربوبيته ، ودعاء مسألة فى آخرها عند قوله " اهدنا الصراط المستقيم " فأنت تدعو الله فى كل ركعة أن يهديك الصراط المستقيم ، لماذا ؟ لأنك تعيش فى هذه الدنيا بين طرائق شتى وطرق متعددة ومتشعبة وأهواء متراكمة وضلالات كثيرة وفتن عظيمة فأنت بحاجة لتعرف الطريق الذى تسير عليه إلى الجنة خشية أن تأخذك الطرق والشبهات والأهواء فتذهب إلى النار ، لأن طريق الجنة واحد وهو الطريق المستقيم وطرق النار كثيرة لاحصر لها لذا أمرنا الله أن ندعوه أن يهدينا فيدلنا ويرشدنا ويثبتنا على الصراط المستقيم وهو الصراط المعتدل الذى لاميلان فيه ولا ظلمة ، بل هو طريق نير مستقيم ليس فيه خطر أو متاهى بل هو مؤمن يؤدى الى الجنة ، أما غيره من الطرق فهى طرق الى النار وهى طرق كثيرة .

ولما أنزل الله تعالى قوله " وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون " وضحها الرسول صلى الله عليه وسلم بالمثال المحسوس فخط على الارض خطا مستقيما وخط عن يمينه وشماله خطوطا كثيرة وقال عن المستقيم هذا صراط الله وقال عن الخطوط الكثيرة وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو اليه .

فصراط الله هو الاسلام وقيل الرسول صلى الله عليه وسلم وقيل القرآن والكل حق ، فالاسلام طريق الله والرسول صلى الله عليه وسلم دال عليه ومبلغ عن الله تبارك وتعالى فمن اتبعه وصل للجنة ، والقرآن أيضا طريق الى الله لأنه بين الحق و الباطل أمامك ، فهو الطريق الآمن بين يديك وهو الصراط المستقيم وأما غيره فإن الله تبارك وتعالى ذكر فى هذه السورة أن غير الصراط المستقيم إما طريق المغضوب عليهم وهم الذين علموا الحق ولم يعملوا بها واتبعوا أهواءهم وشهواتهم وتركوا الحق لاعن جهل به وإنما عن عناد وتكبر واعراض ، وفى مقدمتهم اليهود ، فالله تبارك وتعالى أعطاهم العلم ولكنهم لم يعملوا به واتبعوا أهواءهم ورغباتهم لذلك غضب الله تبارك وتعالى عليهم ،وهم كل من علم الحق ولم يعمل به وأبى أن يسلك الصراط المستقيم بعد معرفته ووضوحه فهو مغضوب عليه لأنه ليس من يعلم كمن لايعلم ، وغضب الله عز وجل شديد لايقوم له شىء .

أما الطريق الثانى المخالف للصراط المستقيم ، فهو الذى يعبد الله عن جهل وضلال بغير علم وإنما يعمل بالبدع والمحدثات والخرافات ولا يرجعون الى القرآن أو السنة وإنما يعملون بما استحسنته نفوسهم من البدع أو ما استحسنه قادتهم ورؤسائهم فيقلدونهم تقليدا أعمى على غير بصيرة ولا يرجعون الى القرآن أو السنة ولا يقبلون التوجيه أو النصيحة ، فهؤلاء هم الضالون وهو من ترك الطريق السليم وذهب مع طريق الهلاك والمتاهة فهو ضال تائه فى سيره يتبع كل ناعق ولو كان عدوا له ويتبع السراب يظنه ماء لأنه عطشان حتى اذا جاءه لم يجده شيئا لأنه يسير خلف السراب ولا يسير خلف الماء الذى ينتهى اليه الصراط المستقيم .

ونحن فى هذه الدنيا يا عباد الله بأمس الحاجة لأن ندعو الله عزوجل من خلال قراءة هذه السورة العظيمة ونكررها فى كل ركعة بالتأمل والتدبر والعمل فإننا بحاجة إليها لأن هذه الدنيا ممتلئة بالفتن والشهوات والشبهات ودعاة الضلال وإن كان هناك حق وهناك دعاة حق ولكن الفتن عظيمة فأنت بحاجة لأن تدعو الله ان يهديك للصراط المستقيم الذى ليس فيه انحراف .. الذى اذا سلكته لاتخشى من قطاع الطريق .. الطريق الآمن الذى يبلغك رضا الله والجنة ، فأنت بحاجة لتسأل الله ان يهديك ويعرفك ويثبتك على الصراط حتىتسير الى الله والدار الآخرة فإنك إن خرجت عنه يمنة أو يسرة فإنك هالك .

هذا صراط الدنيا وهناك صراط فى الآخرة وهو الجسر المضروب على متن جهنم يمر الناس عليه يوم القيامة على قدر أعمالهم قال تعالى " وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا

وقال قبلها " فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا "

فيمر الناس على هذا الصراط على قدر ايمانهم فمنهم من يمر كالبرق الخاطف ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كالفرس الجواد ومنهم من يمر كركاب الابل ومنهم من يمر عدوا ومنهم من يمشى مشيا ومنهم من يزحف زحفا ومنهم من يخطف ويلقى فى جهنم فعلى قدر الايمان والأعمال يكون المرور ولا أحد ينجو إلا أهل التقوى " ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا "

فاحذر ياعبد الله أن تكون مع الظالمين اذين يتساقطون من على هذا الصراط الى جهنم .

وهذا الصراط جسر وهو أحد من السيف وأحر من الجمر ، يمر عليه الناس كلهم ، كل البرايا تمر على هذا الصراط المؤمنون والكفار والمنافقون ولا ينجو إلا أهل التقوى وأهل الايمان .

فمن وفقه الله لسلوك الصراط المستقيم فى الدنيا وفقه الله لسلوك الصراط المستقيم على متن جهنم فى الآخرة حتى يصل إلى الجنة .

فاتقوا الله عباد الله ولاتسيروا مع أهل الضلال أو مع المغضوب عليهم ، لاتسيروا على طريق اليهود والنصارى ، واذا كان هذا شأن أهل الكتاب فكيف بالسير وراء الملحدين والوثنيين الذين لادين لهم .

فأنت على خطر عظيم فى هذه الدنيا وبين فرق كثيرة فرق ضالة كافرة ملحدة حتى مع الأسف من أبناء المسلمين ويعيشون فى بلاد المسلمين ويدعوننا الى ان نأخذ بطريق اليهود والنصارى ويسمون هذا بالتقدم والحضارة والرقى ، ويصفون الصراط المستقيم بالجمود والتأخر والرجعية .

فاحذروا يا عباد الله .. فإن على صراط الدنيا كلاليب تخطف من مر عليه من الشهوات والشبهات ودعاة الضلال وفى صراط الآخرة كلاليب تخطف من مر عليه ممن أمرت بخطفه لتلقيه فى جهنم .

فاتقوا الله عباد الله واسلكوا الصراط المستقيم فى الدنيا واسألوا الله الهداية والثبات عليه من أجل أن تسلكوا الصراط المنصوب على متن جهنم ، فإنكم لا تمرون عليه إلا بما قدمتم فى هذه الدنيا من الأعمال الصالحة وتقوى الله تبارك وتعالى .

الخطبة الثانية :

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد :

أيها الناس .. اتقوا الله واعلموا أنكم تعيشون وكلما تأخر الزمان فى فتن عظيمة مدلهمة ، قال صلى الله عليه وسلم " بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا "

فالفتن اليوم كثيرة كما لاتخفاكم والناس فى غمرة وسكرة لايشعرون بها إلا من رحم الله بل هم سايرون فيها صرفتهم الفتن عن طاعة الله ، فيتابعون هذه البرامج الضالة المنحرفة فى الفضائيات والصحف والمجلات يستمعون لدعاة الضلال الذين هم دعاة على ابواب جهنم من أجابهم اليها قذفوه فيها .

لما قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم " صفهم لنا يارسول الله قال " هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ".. نعم فهم يجيدون الكلام واللغة العربية ويزخرفون الشبهات الضالة ويجعلوها كالحق تخدع من سمع بها ، فالفتن عظيمة والبلاء عظيم ولا يأمن الانسان على نفسه فإنه لايأمن الفتن فقد قال الخليل " واجنبنى وبنى أن نعبد الأصنام ، رب إنهن أضللن كثيرا من الناس "

ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم " يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبى على دينك " فتقول له عائشة يا رسول الله أنت تخاف ؟ قال صلى الله عليه وسلم وما يؤمننى يا عائشة فقلوب العباد بين اصبعين من أصابع الرحمن إذا شاء قلب عبد قلبه "

فلنتق الله جميعا ولنسأل الله الهداية على الصراط والثبات على الحق وأن يكفينا واياكم شر الفتن ودعاة الضلال ، فإنكم تعيشون وكلما تأخر الزمان زادت الفتن وادلهمت ، فقد كانت الفتن فيما سبق مقصورة على أهلها وفى بلادها ، وكان أهل الايمان فى منجاة منها ، أما الآن فالفتن تصل الى الناس وهم على فرشهم فى قعر بيوتهم من خلال البث المنحرف المسموع والمقروء فى الصحف والمجلات والكتب والصور الخليعة لهدم العقائد والأخلاق ، فهم جادون فى إضلالكم وإغوائكم وصرفكم عن دينكم

قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين بل الله مولاكم وهو خير الناصرين "

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

تفريغ خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ / صالح الفوزان حفظه الله ..

مع التصريف .