[center]
الأمثال في القرآن الكريم
وَلَهُ مَنْ فِي السَّموات وَالاََرْضِ كُلّ لَهُ قانِتُون * وَهُوَ الّذي يَبْدَوَُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ المَثَلُ الاََعْلى فِي السَّموات وَالاََرضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيم * ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً من أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ في ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصّلُ الآياتِ لِقَومٍ يعقلون
"القانت": هو الخاضع، الطائع، فقوله: (كلّ له قانتون ) أي خاضعون وطائعون له في الحياة والبقاء والموت والبعث، وبالجملة كلّ ما في الكون مقهور لله سبحانه.
وتتضمن الآية برهاناً على إمكان المعاد وتمثيلاً على بطلان الشرك في العبادة،
أمّا البرهان فقوله سبحانه: (وَلَهُ مَنْ فِي السَّموات وَالاََرْض كُلّ لَهُ قانِتُون ) واللام في قوله "وله"للملكية، والمراد منه الملكية التكوينية، كما أنّ قنوطهم وخضوعهم كذلك،
ومفاد الآية انّ زمام ما في الكون بيده سبحانه، والكل مستسلمون لمشيئته سبحانه دون فرق بين الصالحين والطالحين، وذلك لاَنّه سبحانه هو الخالق الذي يدبر العالم كيفما يشاء، والمربوب مستسلم لربه.
ثمّ إنّه سبحانه رتَّب على ذلك مسألة إمكان المعاد، بقوله: (وَهُوَ الّذي يَبْدَوَُا الخَلْق ثُمَّ يُعيدهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه ).
وحاصل البرهان: انّـه سبحانـه قادر على الخلق من العدم ـ كما هو المفروض ـ فالقادر على ذلك قادر على الاِعادة، إذ ليس هو إعادة من العدم، بل إعادة لصورة الاَجزاء المتماسكة وتنظيم المتفرقة، فالخالق من لا شيء أولى من أن يكون خالقاً من شيء.
ولاَجل توضيح هذا المعنى، قال سبحانه: (وَلَهُ المَثَلُ الاََعلى فِي السَّمواتِ وَالاََرْض وَهُوَ الْعَزيزُ الحَكيم ) والمراد من المثل الوصف، والمراد من المثل الاَعلى هو الوصف الاَتم والاَكمل، الذي له سبحانه، فهو علم كله، قدرة كله، حياة كله، ليس لاَوصافه حد.
إلى هنا تمَّ ما ذكره القرآن من البرهان على إمكانية قيام المعاد بحشر الاَجسام.
والاَمر الثاني وهو التنديد بالشرك في العبادة من خلال التمثيل الآتي.
ألقى سبحانه المثل بصورة الاستفهام الاِنكاري، وحاصله: هل ترضون لاَنفسكم أن تكون عبيدكم وإماوَكم شركاء لكم في الاَموال التي رزقناكم إيّاها على وجه تخشون التصرف فيها بغير إذن هوَلاء العبيد والاِماء ورضاً منهم، كما تخشون الشركاء الاَحرار.
والجواب: لا، أي لا يكون ذلك أبداً ولا يصير المملوك شريكاً لمولاه في ماله، فعندئذٍ يقال لكم: كيف تجوزون ذلك على الله ، وأن يكون بعض عبيده المملوكين كالملائكة والجن شركاء له، امّا في الخالقية أو في التدبير أو في العبادة.
و العبد المملوك ً لا يصحّ أن يكون في رتبة مولاه على نحو يشاركه في الاَموال، فهكذا العبد المملوك تكويناً لا يمكن أن يكون في درجة الخالق المدبر فيشاركه في الفعل، كأن يكون خالقاً أو مدبراً، أو يشاركه في الصفة كأن يكون معبوداً.
فالشىء الذي لا ترضونه لاَنفسكم، كيف ترضونه لله سبحانه، و هو ربّ العالمين؟ وإلى ذلك المثل أشار، بقوله:
(ضَرَبَ الله لَكُم مَثلاً مِنْ أَنْفُسكُم ) أي ضرب لكم مثلاً متخذاً من أنفسكم منتزعاً من حالاتكم (هَل لَكُمْ من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم) فقوله: (هل لكم) شروع في المثل المضروب، والاستفهام للاِنكار، وقوله "ما" في (مما ملكت ) إشارة إلى النوع أي من نوع ما ملكت أيمانكم من العبيد و الاِماء.
فقوله: (من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء ) مبين للشركة، فقوله شركاء مبتدأ والظرف بعده خبره، أي شركاء فيما رزقناهم على وجه تكونون فيه سواء، و على ذلك يكون من في شركاء، زائدة.
فقوله: (تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ) بيان للشركة، أي يكون العبيد كسائر الشركاء الاَحرار، فكما أنّ الشريك يخاف من شركائه الاَحرار، كذلك يخاف من عبده الذي يعرف أنّه شريك كسائر الشركاء.
ثمّ إنّه يتم الآية، بقوله: (كَذلك نُفصّل الآيات لقوم يعقلون )، وعلى ذلك فالمشبه هو جعل المخلوق في درجة الخالق، والمشبه به جعل المملوك وضعاً شريكاً للمالك.
نهج البلاغة
_______